48 – باب معنى قول الله عزوجل


48 – باب معنى قول الله عزوجل

(الرحمن على العرش استوى)
1 – حدثنامحمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد أن أبا عبدالله عليه السلام سئل عن قول الله عزوجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ هو أقرب إليه من شئ.
2 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسين(1) عن صفوان بن يحيى، عن عبدالرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (الرحمن على العرش استوى(2)) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى من كل شئ(3).
___________________________________
(1) في نسخة (ط) وحاشية نسخة (ن) و (ه‍) (عن محمد بن الحسن).
(2) طه: 5.
(3) استعمل الاستواء في معان: استقرار شئ على شئ وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الامام عليه السلام في أخبار من هذا الباب لانه من خواص الجسم.
والعناية إلى الشئ ليعمل فيه، وعليه فسر في بعض الاقوال قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء).
والاستيلاء على الشئ كقول الشاعر: ***فلما علونا واستوينا عليهم * تركناههم صرعى لنسر وكاسر*** والاية التي نحن فيها فسرت به في بعض الاقوال وفي الحديث الاول من الباب الخمسين.
والاستقامة، وفسربها قوله تعالى: (فاستوى على سوقه) وهذا قريب من المعنى الاول.
والاعتدال في شئ وبه فسر قوله تعالى: (ولمابلغ أشده واستوى).
والمساواة في النسبة، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى: (وما يستوى الاحياء ولا الاموات) وفسر الامام عليه السلام الاية بها في هذا الباب وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان لانه تعالى في كل مكان وليس في شئ من المكان بمحدود، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات، وانما الاختلاف من قبل حدود الممكنات، ولا يبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى.

[316]
3 – حدثنا أبوالحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال: حدثنا أحمد بن محمد أبوسعيد النسوي، قال: حدثنا أبونصر أحمد بن محمد بن عبدالله الصغدي بمرو(1) قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب، قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي، قال: حدثنا عبدالله بن عاصم، قال: حدثنا عبدالرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم ارشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن الرب أين هو وأين كان؟ فقال علي عليه السلام: لايوصف الرب جل جلاله بمكان، هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان إلى مكان، ولا أحاطة به مكان، بل كان لم يزل بلاحد ولا كيف، قال: صدقت، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أوفي الآخرة؟ قال علي عليه السلام: لم يزل ربنا قبل الدنيا، ولايزال أبدا، هو مدبر الدنيا، وعالم بالآخرة، فأما أن يحيط به الدنيا والآخرة فلا، ولكن يعلم مافي الدنيار، والآخرة، قال: صدقت يرحمك الله، ثم قال: أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل؟ فقال علي عليه السلام: إن ربنا جل جلاله يحمل ولايحمل، قال النصراني: فكيف ذاك؟ ! ونحن نجد في الانجيل (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) فقال علي عليه السلام: إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنه شئ محدود مخلوق مدبر، وربك عزوجل مالكه، لا أنه عليه ككون الشئ على الشئ، وأمر الملائكة بحمله، فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه، قال النصراني: صدقت رحمك الله – والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة -.
4 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن بعض

___________________________________
(1) الصغد بالضم فالسكون قرى بين بخارا وسمرقند.
[317]
رجاله رفعه، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ.
5 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: من زعم أن الله عزوجل من شئ أوفي شئ أو على شئ فقد كفر، قلت: فسر لي، قال: أعني بالحواية من الشئ له، أو بإمساك له، أو من شئ سبقه.
6 – وفي رواية اخرى قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصورا، ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا.
7 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا عبدالله بن جعفر، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، قال: حدثني مقاتل بن سليمان، قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام، عن قول الله عزوجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ.
8 – وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن حماد، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: كذب من زعم أن الله عزوجل من شئ أو في شئ أو على شئ.
9 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبدالله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: من زعم أن الله عزوجل من شئ أو في شئ أو على شئ فقد أشرك، ثم قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور(1)، ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا.
قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عزوجل (إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا)(2) ولاحجة لها في ذلك لانه عزوجل عنى بقوله: (ثم استوى على
___________________________________
(1) في نسخة (ج) (ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصورا).
(2) الاعراف: 54.
[318]
العرش) أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له، وقوله عزوجل: (ثم) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للاستواء فلا يجوز أن يكون معنى قوله: (استوى) استولى لان استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك وعلى الاشياء ليس هوبأمر حادث، بل لم يزل مالكا لكل شئ ومستوليا على كل شئ، وإنما ذكر عز وجل الاستواء بعد قوله: (ثم) وهو يعنى الرفع مجازا، وهو كقوله: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين)(1) فذكر (نعلم) مع قوله: (حتى) وهو عزوجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك لان حتى لايقع إلا على فعل حادث، وعلم الله عزوجل بالاشياء لايكون حادثا، وكذلك ذكر قوله عزوجل: (استوى على العرش) بعد قوله: (ثم) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لاستيلائه عليه، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لان الله لايجوز أن يكون جسما ولا ذا بدن، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.(2)
___________________________________
(1) محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 31.
(2) حاصل مراده رحمه الله أن (ثم) لايتعلق بقوله (استوى) لانه بمعنى استولى و استيلاؤه تعالى على العرش لايكون متأخرا عن خلق السماوات والارض لانه مالك ملك مستول على كل شئ أزلا، بل يتعلق بمحذوف تقديره ثم نقل العرش إلى فوق السماوات لانه استوى عليه، وأخذ هذا التفسير من الحديث الثاني من الباب التاسع والاربعين، وقيل: ثم اظهر استواؤه على العرش للملائكة، وقيل: ثم قصد إلى خلق العرش فخلقه بعد خلق السماوات والارض، وقيل: ثم بين أنه استوى على العرش، وقيل: ثم صح الوصف بأنه مستو على العرش لانه لم يكن عرش قبل وجوده، والحق ان ثم لمجرد الترتيب، والاستواء هو الاستيلاء الفعلي الظاهر عن مقام الذات في الخلق بعد الايجاد، وحصال المعنى أنه تعالى استوى على العرش الذى هو جملة الخلق في بعض التفاسير بتدبير الامر ونفاذه فيه بعد الايجاد ألا له خلق الاشياء وأمرها بعد ايجادها، ولايخفى أن معنى الاستيلاء أنسب بسياق هذه الاية، ومعنى مساواة النسبة أنسب بقوله: (الرحمن على العرش استوى) ثم ان قوله: (على العرش) متعلق باستوى ان فسر بالاستيلاء، وان فسر بمساواة النسبة فمتعلق بمحذوف و استوى حال أو خبر بعد خبر، أو ضمن معنى الاستيلاء فمتعلق به أيضا.

Leave a comment